لطالما كان السرطان تحديًا صحيًا عالميًا، ومع تطور المرض وانتشاره داخل التجويف البطني أو الحوض، يصبح العلاج أكثر تعقيدًا.
في هذا السياق، يبرز نهج علاجي متقدم يجمع بين براعة الجراحة وفعالية العلاج الكيميائي.
وهو ما يُعرف الآن باستئصال الأورام الاختزالي (Cytoreductive Surgery – CRS) بالاقتران مع العلاج الكيميائي عالي الحرارة داخل الصفاق (Hyperthermic Intraperitoneal Chemotherapy – HIPEC)، أو ما يُعرف اختصارًا بـ “الكيموثيرابي الحار”.
هذا المزيج العلاجي لا يمثل مجرد إجراء طبي، بل هو استراتيجية متكاملة تهدف إلى تحقيق أقصى درجات الاستئصال للسرطان وتحسين فرص الشفاء للمرضى الذين يعانون من سرطانات منتشرة في غشاء البطن.
يعزز هذا الأسلوب فعالية العملية الجراحية ويحسن نتائج المرضى، وأحد أبرز المراكز التي تقدم هذا العلاج هو مستشفى ليفا في تركيا، حيث تُجرى العمليات ضمن بروتوكولات صارمة باستخدام تقنيات متطورة.

ما هو السرطان الصفاقي؟
يُقصد بـ السرطان الصفاقي (Peritoneal Carcinomatosis) انتشار الخلايا السرطانية إلى الغشاء الصفاقي (البريتوني)، وهو الغشاء الرقيق الذي يبطن تجويف البطن والحوض ويغطي معظم الأعضاء الداخلية.
غالبًا ما يحدث هذا الانتشار كجزء من مراحل متقدمة لسرطانات الجهاز الهضمي (مثل سرطان القولون والمستقيم، سرطان المعدة، سرطان الزائدة الدودية) أو سرطان المبيض.
في السابق، كان انتشار السرطان إلى الغشاء الصفاقي يعتبر مؤشرًا على مرض غير قابل للشفاء مع متوسط عمر بقاء قصير. ومع ذلك، بفضل التقدم في فهم بيولوجيا السرطان وتطوير تقنيات جراحية وعلاجية مبتكرة، أصبح هناك بصيص أمل جديد.
يتمثل هذا الأمل في النهج الشراكي لـ استئصال الأورام الاختزالي (CRS) الذي يهدف إلى إزالة أكبر قدر ممكن من الأورام المرئية من تجويف البطن، ثم يتبع ذلك العلاج بـ الكيموثيرابي الحار (HIPEC) الذي يستهدف الخلايا السرطانية المجهرية المتبقية.
هذا النهج الشامل يعالج المرض على مستويين:
- الأول هو الاستئصال الجراحي للكتل السرطانية الكبيرة.
- والثاني هو القضاء على الخلايا السرطانية المنتشرة بشكل دقيق في جميع أنحاء التجويف الصفاقي، مما يزيد من فرص تحقيق الشفاء أو إطالة فترة البقاء على قيد الحياة بشكل ملحوظ وتحسين نوعية الحياة للمرضى الذين كانوا في السابق يواجهون تشخيصًا صعبًا.
استئصال الأورام الاختزالي (CRS)
يعتبر استئصال الأورام الاختزالي (Cytoreductive Surgery – CRS) المرحلة الأولى والأساسية في هذا النهج العلاجي المعقد.
لا تقتصر هذه الجراحة على استئصال الورم الأساسي فحسب، بل تمتد لتشمل إزالة جميع التجمعات السرطانية المرئية المنتشرة على سطح الغشاء الصفاقي وعلى الأعضاء الداخلية.
تتطلب هذه العملية مهارة جراحية فائقة وخبرة واسعة، حيث قد تشمل إزالة أجزاء من الأمعاء الدقيقة والغليظة، الطحال، جزءًا من المعدة، المرارة، الحجاب الحاجز، وجدران البطن والحوض، اعتمادًا على مدى انتشار السرطان.
الهدف الأساسي لـ CRS هو تقليل حجم الورم إلى أقصى حد ممكن، ويفضل أن يكون استئصالًا كاملاً للسرطان المرئي (R0 أو R1 استئصال)، حيث أظهرت الدراسات أن درجة الاستئصال الكامل هي العامل الأكثر أهمية في تحديد النتائج طويلة الأمد للمريض.
يمكن أن تستغرق هذه الجراحة المعقدة ساعات طويلة، وتتطلب فريقًا جراحيًا متمكنًا ومتمرسًا في هذا النوع من الإجراءات، حيث يتم تقييم كل تجمع سرطاني وإزالته بدقة متناهية لضمان عدم ترك أي أثر مرئي للمرض.
إن نجاح هذه المرحلة هو مفتاح فعالية الكيموثيرابي الحار الذي يليها.
الكيموثيرابي الحار (HIPEC)
بعد الانتهاء من عملية استئصال الأورام الاختزالي وإزالة جميع الأورام المرئية، تبدأ المرحلة الثانية والحيوية من العلاج: العلاج الكيميائي عالي الحرارة داخل الصفاق (HIPEC) .
في هذه المرحلة، يتم إدخال محلول معقم من الأدوية الكيميائية (التي يتم اختيارها بعناية بناءً على نوع السرطان) إلى تجويف البطن مباشرة.
إن هذه التقنية الدقيقة تتطلب معدات متخصصة ومراقبة مستمرة لدرجة الحرارة لضمان أقصى فعالية مع الحفاظ على سلامة المريض، وهي ما يميز المراكز الطبية المتخصصة في هذا النوع من العلاج، ومنها على سبيل المثال مستشفى ليفا في تركيا، حيث يتم تطبيق أحدث البروتوكولات لضمان أفضل النتائج.
يتم تسخين هذا المحلول إلى درجة حرارة تتراوح عادة بين 41 و43 درجة مئوية، ويتم تدويره داخل تجويف البطن لمدة تتراوح من 30 إلى 120 دقيقة. الجمع بين الحرارة والعلاج الكيميائي له عدة مزايا فريدة:
- تأثير مضاعف: الحرارة بحد ذاتها لها تأثير سام على الخلايا السرطانية، وتزيد من حساسية هذه الخلايا للأدوية الكيميائية، مما يعزز فعاليتها.
- وصول مباشر: يضمن التسريب داخل الصفاق وصول الدواء الكيميائي بتركيز عالٍ ومباشر إلى الخلايا السرطانية المنتشرة على الغشاء الصفاقي وفي السوائل، مع تقليل الامتصاص الجهازي للدواء. هذا يقلل من الآثار الجانبية الشاملة للعلاج الكيميائي التقليدي الذي يعطى عن طريق الوريد.
- القضاء على الخلايا المجهرية: يستهدف HIPEC الخلايا السرطانية المجهرية التي قد لا تكون مرئية للعين المجردة أو للفحوصات التصويرية، والتي لا يمكن إزالتها بالجراحة وحدها.

التحضير والرعاية ما بعد الجراحة
تُعد عملية استئصال الأورام والكيموثيرابي الحار إجراءً كبيرًا يتطلب تحضيرًا دقيقًا ورعاية مكثفة بعد الجراحة لضمان أفضل نتائج ممكنة وتقليل المضاعفات.
تبدأ مرحلة التحضير بتقييم شامل ومتعدد التخصصات للمريض للتأكد من مدى ملاءمته لهذا الإجراء المعقد.
يشمل ذلك فحوصات تصويرية متقدمة لتقييم مدى انتشار الورم، واختبارات وظائف القلب والرئة والكلى والكبد للتأكد من قدرة الجسم على تحمل الجراحة والعلاج الكيميائي.
قد يتطلب الأمر أيضًا تحسين الحالة الغذائية للمريض قبل الجراحة. تُعد المناقشات التفصيلية مع المريض وعائلته حول الإجراء، المخاطر، والنتائج المتوقعة جزءًا أساسيًا من التحضير.
أما الرعاية ما بعد الجراحة، فهي مكثفة وتتم في وحدة العناية المركزة أو غرفة العناية الفائقة.
يُراقب المريض عن كثب لمراقبة العلامات الحيوية، وظائف الأعضاء، وأي علامات للمضاعفات.
تشمل الرعاية إدارة الألم بشكل فعال، والتحكم في الغثيان والقيء، ومراقبة توازن السوائل والكهارل.
نظرًا لطول مدة العملية وتأثيرها على الجهاز الهضمي، قد يحتاج المريض إلى دعم غذائي عن طريق الوريد في البداية، ثم يتم البدء في التغذية عن طريق الفم تدريجيًا.
يلعب العلاج الطبيعي والتأهيل المبكر دورًا حيويًا في استعادة قوة المريض وقدرته على الحركة. كما يُعد الدعم النفسي للمريض وعائلته أساسيًا خلال هذه المرحلة الصعبة.
التحديات والمضاعفات المحتملة
على الرغم من الفوائد الكبيرة التي يقدمها استئصال الأورام الاختزالي والكيموثيرابي الحار، إلا أنه إجراء معقد يحمل في طياته بعض التحديات والمضاعفات المحتملة التي يجب على المريض وفريقه الطبي أن يكونوا على دراية بها واستعدادًا للتعامل معها. تشمل المضاعفات الشائعة ما بعد الجراحة:
- العدوى: في موقع الجراحة، أو داخل البطن (خراجات)، أو في الجهاز التنفسي.
- النزيف: سواء أثناء الجراحة أو بعدها.
- مشاكل الأمعاء: مثل انسداد الأمعاء، أو تسرب من مواضع الربط الجراحية (Anastomotic Leak)، أو تأخر عودة وظيفة الأمعاء (Ileus).
- تلف الأعضاء: قد تتعرض بعض الأعضاء المجاورة للضرر أثناء الاستئصال الواسع.
- الآثار الجانبية للعلاج الكيميائي: على الرغم من أن الامتصاص الجهازي أقل، إلا أن بعض الآثار الجانبية للعلاج الكيميائي قد تحدث، مثل اعتلال وظائف الكلى أو تلف الكبد أو كبت نقي العظم (انخفاض عدد خلايا الدم).
- التغذية: قد يواجه بعض المرضى صعوبات في التغذية على المدى الطويل.
متى يكون استئصال الأورام والكيموثيرابي الحار خيارًا علاجيًا؟
إن قرار اللجوء إلى استئصال الأورام الاختزالي والكيموثيرابي الحار ليس قرارًا سهلاً ويتطلب تقييمًا دقيقًا لكل حالة من قبل فريق طبي متعدد التخصصات.
هذا النهج العلاجي لا يناسب جميع المرضى الذين يعانون من السرطان الصفاقي. المعايير الرئيسية التي تؤخذ في الاعتبار تشمل:
- نوع السرطان: يكون العلاج أكثر فعالية في سرطانات معينة مثل سرطان القولون والمستقيم المنتشر إلى الصفاق، سرطان الزائدة الدودية المخاطي الكاذب (Pseudomyxoma Peritonei)، وبعض حالات سرطان المبيض.
- مدى انتشار السرطان (حمل الورم): يجب أن يكون السرطان قابلاً للاستئصال بشكل كامل تقريبًا (أقل من 2.5 مم من الأورام المتبقية بعد الجراحة). إذا كان هناك انتشار واسع جدًا يصعب إزالته بالكامل، فقد لا يكون هذا العلاج مناسبًا.
- الحالة الصحية العامة للمريض (الأداء الوظيفي): يجب أن يكون المريض في حالة صحية جيدة بما يكفي لتحمل جراحة كبرى طويلة الأمد وعلاج كيميائي مكثف.
- عدم وجود نقائل بعيدة: يجب ألا يكون السرطان قد انتشر إلى أعضاء بعيدة خارج التجويف البطني (مثل الرئتين أو الكبد).
الخاتمة
في الختام، يمثل استئصال الأورام الاختزالي بالاقتران مع العلاج الكيميائي عالي الحرارة داخل الصفاق (CRS/HIPEC) ثورة في علاج السرطانات المنتشرة إلى الغشاء الصفاقي.
لقد تحول هذا النهج من كونه علاجًا تجريبيًا إلى معيار رعاية للمرضى المختارين بعناية، مقدمًا لهم أملًا جديدًا في الشفاء أو إطالة أمد البقاء على قيد الحياة وتحسين جودة الحياة، وهو أمر لم يكن ممكنًا في السابق.
على الرغم من تعقيدات هذا الإجراء والمضاعفات المحتملة، فإن التقدم المستمر في التقنيات الجراحية، بروتوكولات الرعاية، والخبرة المتراكمة لدى الفرق الطبية المتخصصة في مراكز مثل مستشفى ليفا في تركيا، جعلت هذا العلاج أكثر أمانًا وفعالية
أسئلة شائعة
هل الكيموثيرابي الحار مؤلم؟
لا يشعر المريض بالألم أثناء تطبيق الكيموثيرابي الحار، حيث يتم إجراؤه أثناء تخدير المريض بالكامل بعد انتهاء الجراحة. يتم التحكم في الألم بعد العملية بشكل فعال باستخدام المسكنات.
ما هي أنواع السرطانات التي يمكن علاجها بـ CRS/HIPEC؟
يُستخدم هذا العلاج بشكل أساسي لسرطانات القولون والمستقيم المنتشرة إلى الصفاق، سرطان الزائدة الدودية المخاطي الكاذب، سرطان المبيض المتقدم، وبعض حالات سرطان المعدة المنتشرة إلى الصفاق.
كم تستغرق فترة الإقامة في المستشفى بعد العملية؟
نظرًا لكونها عملية كبرى، تتراوح فترة الإقامة في المستشفى عادة بين أسبوعين وثلاثة أسابيع، وقد تزيد أو تنقص اعتمادًا على تعافي المريض ووجود أي مضاعفات.
هل يمكن أن يتكرر السرطان بعد هذا العلاج؟
على الرغم من أن هذا العلاج يهدف إلى القضاء على السرطان بشكل شامل، إلا أن هناك دائمًا احتمال لتكرار المرض، خاصة في حالات السرطان المتقدم. لذلك، تعتبر المتابعة الدورية والفحوصات المنتظمة ضرورية بعد العلاج.
هل يمكن إجراء هذا العلاج في جميع المستشفيات؟
لا، الكيموثيرابي الحار واستئصال الأورام الاختزالي يتطلبان خبرة جراحية متخصصة، فريقًا متعدد التخصصات، ومعدات متطورة. لذلك، يتم إجراؤه فقط في المراكز الطبية المتخصصة التي لديها الخبرة في جراحة الأورام المعقدة.
ما هي جودة الحياة بعد CRS/HIPEC؟
تهدف هذه العملية إلى تحسين جودة حياة المريض على المدى الطويل من خلال السيطرة على السرطان. على الرغم من فترة تعافٍ أولية صعبة، فإن معظم المرضى يعودون إلى حياة طبيعية أو شبه طبيعية بعد التعافي الكامل، ويتمكنون من ممارسة أنشطتهم اليومية.