يُعد القلب جوهر الحياة، بمثابة الأوركسترا المعقدة التي تُنسق إيقاع الدم في جميع أنحاء الجسم.
لكن في بعض الأحيان، قد تُصاب هذه الأوركسترا بخلل في إيقاعها، مما يؤدي إلى ما يُعرف بـ اضطرابات نظم القلب (Arrhythmias)
هذه الاضطرابات قد تتراوح بين مجرد شعور بالخفقان إلى حالات خطيرة تُهدد الحياة، حيث تُصبح الإشارات الكهربائية التي تُنظم ضربات القلب غير منتظمة أو سريعة جدًا أو بطيئة جدًا.
في الماضي، كان العلاج يعتمد بشكل كبير على الأدوية، لكن مع التقدم الهائل في طب القلب، ظهرت حلول أكثر دقة وفعالية.
من أبرز هذه الحلول هي عملية كي جدار القلب، والمعروفة علميًا باسم دراسة الفيزيولوجيا الكهربية واستئصال الرجفان (Electrophysiology Study – EPS and Ablation)
هذه العملية دقيقة، يُجرى بها توجيه قسطرة إلى القلب لتحديد مصدر الخلل ومعالجته، وهي متاحة في مراكز متقدمة مثل مستشفى ليفا في تركيا، باستخدام أحدث الأجهزة وتحت إشراف فريق قلب متكامل.

اضطرابات نظم القلب
يُعدّ القلب عضلة نابضة تُدار بنظام كهربائي معقد يُولد وينقل الإشارات الكهربائية التي تُنظم انقباضاته واسترخاءاته.
تُعرف هذه الإشارات باسم “النظام الكهربائي للقلب”. عندما يحدث خلل في هذا النظام، تُصاب وظيفة القلب وتظهر اضطرابات نظم القلب (Arrhythmias). تُصنف اضطرابات نظم القلب بناءً على مصدرها وسرعة ضربات القلب:
- تسرّع القلب فوق البطيني (Supraventricular Tachycardia – SVT): تُنشأ هذه الاضطرابات في الأذينين أو العقدة الأذينية البطينية، وتشمل:
- الرجفان الأذيني (Atrial Fibrillation – AFib): وهو أكثر أنواع اضطرابات النظم شيوعًا، حيث تضرب الأذينان بشكل سريع وغير منتظم، مما يُعيق تدفق الدم ويزيد من خطر الجلطات الدماغية.
- الرفرفة الأذينية (Atrial Flutter): ضربات أذينية سريعة ومنتظمة نسبيًا.
- تسرّع القلب الأذيني (Atrial Tachycardia).
- متلازمة وولف باركنسون وايت (Wolff-Parkinson-White Syndrome – WPW).
- تسرّع القلب البطيني (Ventricular Tachycardia – VT): تُنشأ هذه الاضطرابات في البطينين وتُعد أكثر خطورة، حيث قد تُسبب نقصًا في تدفق الدم إلى الجسم وقد تُؤدي إلى توقف القلب المفاجئ.
- البطء الشديد (Bradycardia): ضربات قلب بطيئة جدًا.
القلب ودواعي عملية كي جدار القلب
تُعد عملية كي جدار القلب (Catheter Ablation)، التي تسبقها عادة دراسة الفيزيولوجيا الكهربية (Electrophysiology Study – EPS)، خيارًا علاجيًا فعالًا للمرضى الذين يُعانون من اضطرابات النظم التي لا تستجيب للأدوية، أو الذين لا يُمكنهم تحمل الآثار الجانبية للأدوية، أو الذين يُعانون من اضطرابات نظم تُهدد حياتهم.
تشمل الدواعي الرئيسية لإجراء عملية كي جدار القلب:
- الرجفان الأذيني العنيد: عندما لا تُسيطر الأدوية على الرجفان الأذيني، أو عندما تُسبب الأدوية آثارًا جانبية غير مقبولة.
- الرفرفة الأذينية.
- تسرّع القلب فوق البطيني بأنواعه المختلفة.
- تسرّع القلب البطيني: خاصةً للمرضى الذين لا يُمكن السيطرة عليهم بالأدوية أو الذين يُعانون من نوبات متكررة.
- متلازمة وولف باركنسون وايت (WPW).
- منع الجلطات الدماغية: في حالات معينة من الرجفان الأذيني حيث يكون خطر الجلطات مرتفعًا، قد يُساهم كي جدار القلب في تقليل هذا الخطر.
تقنيات كي جدار القلب
بعد تحديد مصدر اضطراب النظم بدقة من خلال دراسة الفيزيولوجيا الكهربية (EPS)، تبدأ عملية كي جدار القلب.
الهدف هو تدمير الخلايا القلبية المسؤولة عن توليد أو نقل الإشارات الكهربائية الشاذة، مما يُؤدي إلى قطع المسار الكهربائي غير الطبيعي وإعادة ضبط إيقاع القلب.
تُستخدم تقنيتان رئيسيتان للكي:
- الكي بالترددات الراديوية (Radiofrequency Ablation – RFA):
- تُعد هذه التقنية هي الأكثر شيوعًا.
- تُستخدم قسطرة خاصة (Ablation Catheter) تُسخن طرفها الصغير باستخدام طاقة الترددات الراديوية (وهي طاقة كهربائية عالية التردد).
- عندما يُلامس طرف القسطرة النسيج القلبي المستهدف، تُولد الحرارة نقطة صغيرة من الندبة (الكي). هذه الندبة تُعزل المنطقة المسؤولة عن الإشارات الكهربائية الشاذة، مما يمنعها من الانتشار.
- يُشبه الأمر حرق طريق صغير على خريطة لمنع مرور المركبات.
- الكي بالتبريد (Cryoablation):
- تُستخدم هذه التقنية في بعض الحالات، خاصة في علاج بعض أنواع تسرّع القلب فوق البطيني والرجفان الأذيني (خاصة عزل الأوردة الرئوية).
- بدلاً من الحرارة، تُستخدم قسطرة تُطلق مادة تبريد شديدة البرودة (عادةً أكسيد النيتروز) لتجميد وتدمير الخلايا المستهدفة.
- ميزة الكي بالتبريد هي أنه يُتيح “اختبار” تأثير التجميد قبل إحداث تدمير دائم للنسيج. إذا كانت النتيجة غير مرغوبة، يمكن إزالة التجميد وعودة النسيج إلى طبيعته.

التعافي بعد عملية كي جدار القلب
بما أن عملية كي جدار القلب هي إجراء يُجرى بالقسطرة، فإن فترة التعافي تكون أسرع وأقل إيلامًا مقارنة بالجراحة المفتوحة. يُمكن لمعظم المرضى العودة إلى حياتهم الطبيعية في غضون أيام قليلة.
- المرحلة المبكرة (في المستشفى – ساعات إلى يوم واحد):
- المراقبة: بعد الإجراء، يُنقل المريض إلى غرفة المراقبة، حيث يتم مراقبة العلامات الحيوية، ضغط الدم، وموقع الدخول بعناية فائقة لمنع أي نزيف.
- الراحة: يُطلب من المريض الراحة في السرير مع إبقاء الساق التي تم من خلالها إدخال القسطرة مستقيمة لعدة ساعات (عادة 4-6 ساعات) لمنع النزيف في موقع الدخول.
- الألم والانزعاج: قد يشعر المريض ببعض الألم الخفيف أو الكدمات في موقع الدخول، أو ألم خفيف في الصدر، ويمكن التحكم في ذلك بمسكنات الألم التي لا تستلزم وصفة طبية.
- الغثيان والتعب: قد يُعاني بعض المرضى من غثيان خفيف أو شعور بالتعب، ولكنهما عادةً ما يكونان مؤقتين.
- الخروج من المستشفى: في معظم الحالات، يمكن للمريض الخروج من المستشفى في نفس اليوم أو في صباح اليوم التالي، بمجرد أن تستقر حالته.
- المرحلة المتوسطة (في المنزل – أيام إلى أسابيع):
- العناية بموقع الدخول: يجب الحفاظ على نظافة وجفاف موقع الدخول لتجنب العدوى. تجنب فرك المنطقة بقوة. قد تكون هناك كدمة صغيرة أو تورم خفيف يختفي تدريجيًا.
- النشاط البدني: يُنصح بتجنب رفع الأشياء الثقيلة أو الأنشطة البدنية الشاقة أو حمامات السباحة والاستحمام بالماء الجاري (Shower) بدلاً من الاستحمام بالماء الراكد (Bath) لعدة أيام إلى أسبوع. يُمكن استئناف المشي الخفيف تدريجيًا.
- الأدوية: سيُعطي الطبيب تعليمات واضحة بخصوص الأدوية التي يجب الاستمرار في تناولها (خاصة مميعات الدم إذا كان المريض يُعاني من الرجفان الأذيني) وأي أدوية جديدة.
- الأعراض بعد الإجراء: قد يشعر بعض المرضى بخفقان القلب أو ضربات قلب غير منتظمة في الأيام أو الأسابيع الأولى بعد الكي. هذا أمر طبيعي ويُعرف بـ “شهر العسل” وقد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تستقر الأنسجة المعالجة.
- المرحلة طويلة الأمد (أسابيع إلى أشهر):
- المتابعة الدورية: تُعد المتابعة المنتظمة مع أخصائي الفيزيولوجيا الكهربية أمرًا ضروريًا لتقييم نجاح الإجراء، ومراقبة نظم القلب، وإجراء تخطيط القلب الكهربائي أو مراقبة هولتر لمراقبة طويلة الأمد.
- النتائج النهائية: قد يستغرق الأمر عدة أسابيع إلى بضعة أشهر لتقييم النتائج النهائية للكي بشكل كامل.
- نمط الحياة: يُنصح بالحفاظ على نمط حياة صحي للقلب، بما في ذلك نظام غذائي متوازن، ممارسة الرياضة بانتظام، وإدارة الإجهاد.
المخاطر والمضاعفات المحتملة
على الرغم من أن عملية كي جدار القلب تُعد آمنة وفعالة، إلا أنها، مثل أي إجراء طبي، تحمل بعض المخاطر والمضاعفات المحتملة. تُعد هذه المضاعفات نادرة نسبيًا، ولكن من المهم أن يكون المرضى على دراية بها وأن يناقشوها مع طبيبهم.
- المخاطر المرتبطة بموقع الدخول (الفخذ):
- النزيف أو الكدمات الشديدة: تُعد الأكثر شيوعًا، وعادةً ما تكون خفيفة. في حالات نادرة، قد يكون النزيف شديدًا ويتطلب تدخلاً.
- تكون ورم دموي (Hematoma): تجمع للدم تحت الجلد.
- العدوى: في موقع الدخول، وهي نادرة.
- تلف الشريان أو الوريد: نادرًا ما يحدث ثقب أو تلف في الأوعية الدموية.
- المخاطر المرتبطة بالقلب:
- الانصباب التاموري أو الاندحاس القلبي (Pericardial Effusion/Tamponade): تجمع السوائل حول القلب، أو ضغط على القلب بسبب السوائل. تُعد هذه المضاعفة خطيرة ولكنها نادرة جدًا (أقل من 1%)، وتحدث إذا تم ثقب جدار القلب عن طريق الخطأ بواسطة القسطرة. قد تتطلب تصريف السوائل أو جراحة طارئة.
- تلف الشرايين التاجية: نادرًا ما تُؤثر عملية الكي على الشرايين التاجية التي تُغذي القلب، مما قد يُسبب نوبة قلبية.
- تلف صمامات القلب: نادرًا ما تُسبب القسطرة ضررًا لصمامات القلب.
- تلف نظام التوصيل الكهربائي الطبيعي: قد تُؤثر عملية الكي على العقدة الأذينية البطينية (AV Node) أو المسارات الأخرى، مما يُسبب بطء في ضربات القلب ويتطلب زرع جهاز تنظيم ضربات القلب (Pacemaker) دائم، خاصة إذا كانت المنطقة المعالجة قريبة من هذه الهياكل الحيوية.
- الجلطات الدموية والسكتة الدماغية: على الرغم من ندرتها، قد تتكون جلطة دموية على طرف القسطرة أو في القلب وتنتقل إلى الدماغ (مما يُسبب سكتة دماغية) أو إلى أجزاء أخرى من الجسم. تُستخدم مميعات الدم أثناء الإجراء لتقليل هذا الخطر.
- المخاطر العامة:
- التعرض للإشعاع: من الأشعة السينية المستخدمة في التوجيه. على الرغم من أن الجرعة تُعد منخفضة نسبيًا، إلا أنها تُؤخذ في الاعتبار.
- تفاعلات تحسسية: تجاه أدوية التخدير أو الصبغات.
- مشاكل في الكلى: في حالات نادرة، قد تُسبب الصبغة المستخدمة في الأشعة السينية ضررًا مؤقتًا للكلى.
الخاتمة
تُعد عملية كي جدار القلب (EPS and Ablation) إنجازًا طبيًا مذهلاً، يُقدم حلًا دقيقًا وفعالًا لاضطرابات نظم القلب التي كانت في السابق تُسبب معاناة كبيرة للمرضى وتُقلل من جودة حياتهم بشكل جذري.
لقد حولت هذه التقنية المتقدمة، التي تجمع بين الدراسة التفصيلية للنظام الكهربائي للقلب والكي الدقيق للخلايا الشاذة، علاج اضطرابات النظم من مجرد إدارة الأعراض بالأدوية إلى إمكانية الشفاء التام في كثير من الحالات.
إن القدرة على تحديد المصدر الدقيق للإشارات الكهربائية غير المنتظمة وتدميرها بدقة متناهية، بفضل أنظمة رسم الخرائط ثلاثية الأبعاد وتقنيات الكي المتطورة، تُمثل نقلة نوعية في طب القلب.
وعلى الرغم من أن العملية تتطلب تحضيرًا دقيقًا وفترة تعافٍ بسيطة، إلا أن الفوائد المحتملة من استعادة إيقاع القلب الطبيعي والعودة إلى حياة نشطة تُبرر هذه الجهود.
تُقدم المستشفيات الرائدة عالميًا، مثل مستشفى ليفا في تركيا، أعلى مستويات الخبرة والتكنولوجيا في هذا المجال، مما يضمن أفضل النتائج الممكنة للمرضى.
أسئلة شائعة
هل عملية كي جدار القلب علاج شافٍ لجميع اضطرابات نظم القلب؟
تُعد عملية كي جدار القلب عالية الفعالية، خاصة لأنواع معينة من تسرّع القلب فوق البطيني والرفرفة الأذينية، حيث تُحقق معدلات شفاء عالية جدًا.
هل سأكون مستيقظًا أثناء العملية؟
تُجرى العملية عادةً تحت التخدير الموضعي مع التخدير الخفيف (المهدئات) لمساعدتك على الاسترخاء والراحة.
كم من الوقت تستغرق عملية كي جدار القلب؟
تختلف مدة العملية اعتمادًا على نوع وعدد اضطرابات النظم التي يتم علاجها. بشكل عام، يمكن أن تتراوح المدة من 2 إلى 4 ساعات، ولكن الحالات المعقدة (مثل الرجفان الأذيني) قد تستغرق وقتًا أطول.
متى يمكنني العودة إلى العمل أو الأنشطة العادية بعد العملية؟
يُمكن لمعظم المرضى العودة إلى الأنشطة اليومية الخفيفة في غضون يومين إلى ثلاثة أيام بعد العملية. يُنصح بتجنب رفع الأشياء الثقيلة أو الأنشطة البدنية الشاقة لعدة أيام إلى أسبوع لضمان التئام موقع الدخول. سيزودك طبيبك بتعليمات مفصلة.
هل سأحتاج إلى تناول مميعات الدم بعد العملية؟
يعتمد ذلك على نوع اضطراب النظم الذي عولج وعلى عوامل الخطر الأخرى لديك. إذا كنت تُعاني من الرجفان الأذيني، فغالبًا ما ستحتاج إلى الاستمرار في تناول مميعات الدم (مثل الوارفارين أو الأدوية الحديثة المضادة للتخثر الفموية) لمنع الجلطات.
هل يمكن أن تعود اضطرابات النظم بعد عملية الكي؟
على الرغم من أن عملية الكي تُعد فعالة جدًا، إلا أن هناك احتمالًا ضئيلًا لعودة اضطراب النظم بمرور الوقت. هذا قد يحدث إذا لم تُدمر جميع الخلايا الشاذة في الجلسة الأولى، أو إذا تطورت بؤر جديدة.