يُعد الصرع اضطرابًا عصبيًا مزمنًا يؤثر على ملايين الأشخاص حول العالم، ويتميز بنوبات متكررة ناجمة عن نشاط كهربائي غير طبيعي في الدماغ.
في حين أن الأدوية المضادة للصرع (AEDs) تُعتبر حجر الزاوية في العلاج وتتحكم في النوبات لدى غالبية المرضى، إلا أن هناك نسبة لا يُستهان بها منهم لا تستجيب بشكل كافٍ للعلاجات الدوائية.
وهذا يتركهم عرضة لنوبات متكررة ومعيقة تؤثر بشكل كبير على جودة حياتهم اليومية، وقدرتهم على العمل، وحتى على سلامتهم الشخصية.
في مواجهة هذا التحدي، برزت التدخلات الجراحية كخيار علاجي واعد، ومن بينها “عملية بطارية الصرع”، أو ما يُعرف طبيًا بالتحفيز المبهمي (Vagus Nerve Stimulation – VNS .
هذه التقنية، التي تعتمد على زرع جهاز لتعديل النشاط الكهربائي للدماغ، تُقدم بصيص أمل للمرضى الذين استنفدوا خيارات العلاج التقليدية، وتسعى إلى تقليل تكرار النوبات وشدتها، وبالتالي تحسين نوعية حياتهم بشكل ملموس.
يُجري الأطباء، في مراكز مثل مستشفى ليفا في تركيا، تقييمًا دقيقًا للمرضى المحتملين لعملية بطارية الصرع، بما في ذلك مراجعة التاريخ الطبي الكامل، وإجراء تخطيط الدماغ الكهربائي (EEG)، وتصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) للدماغ، وأحيانًا اختبارات عصبية نفسية لتقييم الوظائف المعرفية.

فهم الصرع المقاوم للعلاج ودور “التحفيز المبهمي”
للتعمق في الدواعي الحقيقية لعملية بطارية الصرع، من الضروري أولاً فهم مفهوم “الصرع المقاوم للعلاج”.
يُعرّف الصرع المقاوم للعلاج بأنه عدم القدرة على تحقيق التحكم المستمر في النوبات باستخدام جرعات كافية من دواءين مضادين للصرع على الأقل، تم اختيارهما بشكل مناسب وتحملهما جيدًا، سواء كعلاج منفرد أو علاج إضافي.
هذا يعني أن المريض قد جرب طرقًا علاجية متعددة دون جدوى، وأن حياته ما زالت تتأثر بشدة بالنوبات. في هذه الحالات، يصبح البحث عن بدائل أمرًا حتميًا.
هنا يأتي دور التحفيز المبهمي، إذ يُعد العصب المبهم (Vagus Nerve) أطول الأعصاب القحفية، ويمتد من جذع الدماغ وصولًا إلى العديد من الأعضاء في الرقبة والصدر والبطن.
يلعب هذا العصب دورًا حيويًا في تنظيم العديد من وظائف الجسم اللاإرادية، بما في ذلك معدل ضربات القلب، والتنفس، والهضم، وله اتصالات واسعة النطاق بالدماغ.
تستغل تقنية VNS هذه الاتصالات من خلال إرسال نبضات كهربائية منتظمة إلى الدماغ عبر العصب المبهم. يُعتقد أن هذه النبضات تعدل النشاط الكهربائي غير الطبيعي في الدماغ الذي يسبب النوبات، مما يؤدي إلى تقليل تكرارها وشدتها، وأحيانًا حتى إيقافها تمامًا في بعض الحالات.
لا يُعد VNS علاجًا شافيًا للأسف، ولكنه علاج تلطيفي يهدف إلى تحسين جودة الحياة والسيطرة على النوبات.
الدواعي الحقيقية لعملية بطارية الصرع: معايير الترشيح
إن اتخاذ قرار بزرع جهاز التحفيز المبهمي هو قرار طبي مهم لا يُتخذ إلا بعد تقييم شامل ودقيق من قبل فريق طبي متعدد التخصصات.
تتركز الدواعي الحقيقية لإجراء هذه العملية حول معالجة الصرع المقاوم للعلاج، ولكن ضمن إطار معايير محددة لضمان أفضل النتائج الممكنة للمريض:
- الصرع المقاوم للعلاج الدوائي: كما ذكرنا، يُعد هذا هو المعيار الأساسي. يجب أن يكون المريض قد جرب على الأقل دواءين مناسبين للصرع بجرعات علاجية كافية وتحملها جيدًا، ولم يتمكن من السيطرة على النوبات.
- النوبات الجزئية أو المعممة التي لا تستجيب للأدوية: يُعتبر VNS فعالًا بشكل خاص في حالات الصرع الجزئي (الذي ينشأ في منطقة معينة من الدماغ)، ولكنه قد يُستخدم أيضًا في بعض أشكال الصرع المعمم.
- عدم أهلية المريض لجراحة الصرع الاستئصالية: في بعض الحالات، يكون الصرع ناجمًا عن منطقة محددة يمكن إزالتها جراحيًا (جراحة الصرع الاستئصالية)، والتي يمكن أن تحقق الشفاء التام. ومع ذلك، إذا كانت المنطقة المسببة للنوبات تقع في منطقة حساسة من الدماغ لا يمكن استئصالها بأمان (مثل مناطق اللغة أو الحركة)، أو إذا كان الصرع ينتشر من عدة بؤر، يصبح VNS خيارًا بديلاً آمنًا وفعالًا.
- مرضى الصرع الذين يعانون من آثار جانبية شديدة للأدوية: حتى لو كانت الأدوية قادرة على التحكم جزئيًا في النوبات، فإن الآثار الجانبية الشديدة التي تؤثر على جودة حياة المريض قد تجعل VNS خيارًا مقبولًا.
- الأطفال والمراهقون: يُعتبر VNS خيارًا علاجيًا معتمدًا للأطفال الذين تزيد أعمارهم عن 4 سنوات، والذين يعانون من صرع مقاوم للعلاج.
- التوقعات الواقعية: يجب أن يكون المريض وعائلته على دراية بأن VNS لا يُعد علاجًا شافيًا، وأن الهدف الرئيسي هو تقليل تكرار النوبات وشدتها، وليس القضاء عليها تمامًا في معظم الحالات.
الطريقة الجراحية لزرع بطارية الصرع (VNS)
تُعد عملية زرع جهاز التحفيز المبهمي (VNS) إجراءً جراحيًا بسيطًا نسبيًا مقارنةً بجراحات الدماغ المفتوحة الأخرى، ويُجرى عادةً تحت التخدير العام. تستغرق العملية عادةً ما بين ساعة إلى ساعتين، وتتضمن خطوتين رئيسيتين:
- زرع القطب الكهربائي على العصب المبهم: يُجري الجراح شقًا صغيرًا في الجانب الأيسر من الرقبة (عادةً لأن العصب المبهم الأيسر لا يلعب دورًا رئيسيًا في وظائف القلب، مما يقلل من خطر الآثار الجانبية القلبية). يتم تحديد موقع العصب المبهم بدقة، ثم يُلف قطب كهربائي رفيع حوله. يُصمم هذا القطب ليكون على اتصال مباشر بالعصب دون الإضرار به.
- زرع مولد النبضات (البطارية): يُجري الجراح شقًا صغيرًا آخر في الجانب الأيسر من الصدر، عادةً تحت الترقوة أو في منطقة الإبط. يتم إنشاء جيب صغير تحت الجلد حيث يُوضع مولد النبضات (البطارية). تُوصل الأسلاك القادمة من القطب المزروع حول العصب المبهم بمولد النبضات تحت الجلد، وتُخفى جميع الأسلاك تحت الجلد.
بعد اكتمال الزرع، يقوم الجراح باختبار الجهاز للتأكد من عمله بشكل صحيح. تُغلق الشقوق الجراحية، ويمكن للمريض عادةً العودة إلى المنزل في نفس اليوم أو في اليوم التالي.

ما بعد الجراحة وبرمجة الجهاز
لا يبدأ جهاز VNS في العمل بكامل طاقته فورًا بعد الجراحة.
تُعد مرحلة ما بعد الجراحة، وتحديدًا برمجة الجهاز، جزءًا حيويًا من العلاج. يتم تفعيل الجهاز عادةً بعد حوالي أسبوعين إلى أربعة أسابيع من الجراحة، للسماح للجروح بالالتئام. يتم ذلك في عيادة طبيب الأعصاب باستخدام جهاز برمجة خاص يُوضع فوق البطارية المزروعة.
- البرمجة الأولية والتدريجية: يقوم طبيب الأعصاب ببرمجة الجهاز لتقديم نبضات كهربائية إلى العصب المبهم بتردد ومدة وشدة معينة. تبدأ البرمجة عادةً بإعدادات منخفضة وتزداد تدريجيًا على مدى أسابيع أو أشهر. هذا النهج التدريجي يساعد الدماغ على التكيف مع التحفيز ويقلل من الآثار الجانبية المحتملة.
- المتابعة المنتظمة: تتطلب عملية VNS متابعة منتظمة مع طبيب الأعصاب لضبط الإعدادات حسب استجابة المريض للنوبات وأي آثار جانبية. الهدف هو إيجاد الإعداد الأمثل الذي يقلل من النوبات بأقل قدر من الآثار الجانبية.
- استخدام المغناطيس: يُعطى المريض مغناطيسًا يمكن استخدامه لتفعيل الجهاز عند الشعور بقرب حدوث النوبة (aura)، مما قد يساعد في إيقاف النوبة أو تقليل شدتها. يمكن أيضًا استخدامه لزيادة التحفيز بشكل مؤقت خلال فترات تكرار النوبات.
إن التعاون الوثيق بين المريض وطبيب الأعصاب أمر بالغ الأهمية لتحقيق أقصى استفادة من العلاج بالتحفيز المبهمي.
التكلفة الشاملة لعملية بطارية الصرع
تُعد التكلفة من العوامل الهامة التي يجب مراعاتها عند اتخاذ قرار بشأن عملية بطارية الصرع. تتفاوت التكلفة الشاملة بشكل كبير بناءً على عدة عوامل، بما في ذلك البلد الذي تُجرى فيه العملية، المستشفى، خبرة الجراح، ونوع الجهاز المزروع.
- تكلفة الجهاز نفسه: يُعد جهاز التحفيز المبهمي بحد ذاته المكون الأغلى في العملية. تختلف أسعار الأجهزة باختلاف الشركات المصنعة والميزات (مثل ما إذا كانت قابلة لإعادة الشحن أم لا).
- رسوم المستشفى: تشمل هذه الرسوم استخدام غرفة العمليات، الإقامة في المستشفى (إذا كانت مطلوبة)، والمعدات الطبية.
- أتعاب الجراح وطبيب التخدير: تختلف هذه الأتعاب بناءً على خبرة الجراح وسمعته، وأيضًا على تعقيد الحالة.
- اختبارات ما قبل الجراحة: تشمل هذه الاختبارات التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)، تخطيط الدماغ الكهربائي (EEG)، والاستشارات الطبية المتخصصة.
- جلسات البرمجة والمتابعة: تُعد هذه الجلسات ضرورية بعد الجراحة، وتتضمن رسومًا للعيادة وأتعاب الطبيب.
- تكلفة استبدال البطارية: في حالة البطاريات غير القابلة لإعادة الشحن، سيتعين استبدالها جراحيًا بعد عدة سنوات، مما يضيف تكلفة إضافية في المستقبل.
بشكل عام، يمكن أن تتراوح التكلفة الإجمالية لعملية زرع بطارية الصرع في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة أو أوروبا الغربية بين 25,000 دولار أمريكي إلى 50,000 دولار أمريكي أو أكثر، اعتمادًا على العوامل المذكورة أعلاه.
في المقابل، تُقدم دول مثل تركيا خيارات علاجية عالية الجودة بأسعار تنافسية. على سبيل المثال، في مستشفى ليفا في تركيا، يمكن أن تكون التكلفة الإجمالية لعملية زرع جهاز التحفيز المبهمي أقل بكثير، مع الحفاظ على معايير جودة عالمية، مما يجعلها وجهة جذابة للمرضى الباحثين عن علاج فعال بتكلفة معقولة.
الآثار الجانبية المحتملة وفعالية العلاج
مثل أي تدخل طبي، يمكن أن يصاحب التحفيز المبهمي بعض الآثار الجانبية، على الرغم من أنها عادة ما تكون خفيفة ومؤقتة.
- الآثار الجانبية الشائعة: تشمل هذه بحة الصوت، السعال، ألم الحلق، ضيق التنفس، أو تغير في الصوت أثناء التحفيز. هذه الآثار الجانبية غالبًا ما تكون مرتبطة بإعدادات التحفيز ويمكن تقليلها عن طريق تعديلها.
- الآثار الجانبية الأقل شيوعًا: قد تشمل العدوى في موقع الجرح، مشاكل في الجهاز أو الأسلاك، أو ألم في موقع الزرع.
- المخاطر الجراحية النادرة: مثل النزيف أو تلف الأعصاب المحيطة.
أما بالنسبة للفعالية، فإن الدراسات تظهر أن VNS يُقدم تحسنًا كبيرًا في التحكم بالنوبات لدى غالبية المرضى. لا تهدف هذه العملية إلى القضاء التام على النوبات في جميع الحالات، ولكنها تُظهر:
- انخفاض في تكرار النوبات: يُلاحظ انخفاض بنسبة 50% أو أكثر في تكرار النوبات لدى 40-50% من المرضى.
- انخفاض في شدة النوبات: حتى لو لم ينخفض تكرار النوبات بشكل كبير، فإن شدتها قد تقل، مما يجعلها أقل تأثيرًا على حياة المريض.
- تحسن في جودة الحياة: يؤدي تحسن السيطرة على النوبات إلى تحسن عام في جودة الحياة، بما في ذلك زيادة الاستقلالية، وتحسن الحالة المزاجية، وتقليل الإصابات المرتبطة بالنوبات.
الخاتمة
لقد أحدثت عملية بطارية الصرع أو التحفيز المبهمي VNS تغييرًا جذريًا في نهج علاج الصرع المقاوم للعلاج، مقدمةً أملًا حقيقيًا للمرضى الذين لم يستجيبوا للعلاجات الدوائية التقليدية.
بفضل التقدم في التقنيات الجراحية وإعدادات البرمجة، أصبحت هذه العملية أكثر أمانًا وفعالية في تقليل تكرار وشدة النوبات، وبالتالي تحسين جودة حياة المرضى بشكل ملحوظ.
على الرغم من أن التكلفة تُعد اعتبارًا مهمًا، إلا أن وجود خيارات علاجية عالية الجودة بأسعار تنافسية في مراكز عالمية مثل مستشفى ليفا في تركيا يجعل هذا العلاج في متناول عدد أكبر من المرضى حول العالم.
أسئلة شائعة
هل جهاز التحفيز المبهمي (VNS) علاج دائم للصرع؟
لا، جهاز VNS ليس علاجًا شافيًا للصرع. إنه علاج تلطيفي يهدف إلى تقليل تكرار النوبات وشدتها، ولكن المرض يظل موجودًا، وفي معظم الحالات، يحتاج المريض إلى الاستمرار في تناول الأدوية المضادة للصرع، وإن كانت بجرعات أقل أحيانًا.
كم يستغرق الأمر حتى أرى تحسنًا بعد عملية VNS؟ ل
ا يكون التحسن فوريًا عادةً. تبدأ عملية البرمجة بعد بضعة أسابيع من الجراحة، ويتم ضبط الإعدادات تدريجيًا. قد يستغرق الأمر عدة أشهر أو حتى سنة لملاحظة التحسن الأقصى في التحكم بالنوبات.
هل يمكنني إزالة جهاز VNS إذا لم يعمل أو إذا أردت ذلك؟
نعم، يمكن إزالة جهاز VNS جراحيًا إذا لم يكن فعالاً أو إذا قرر المريض إزالته لأي سبب. ومع ذلك، فإن عملية الإزالة هي إجراء جراحي آخر.
هل سيؤثر جهاز VNS على الأنشطة اليومية مثل الرياضة أو استخدام الهواتف المحمولة؟
بشكل عام، لا يؤثر جهاز VNS على معظم الأنشطة اليومية. يمكن للمرضى ممارسة الرياضة والأنشطة العادية. قد تحتاج بعض المعدات الكهربائية القوية أو الأجهزة الطبية (مثل الرنين المغناطيسي) إلى احتياطات خاصة أو قد تكون محظورة في بعض الحالات، ويجب على المريض إبلاغ الأطباء والفنيين عن وجود الجهاز. الهواتف المحمولة عادة لا تسبب مشكلة.
ما هو العمر الأدنى للزرع جهاز VNS؟
جهاز التحفيز المبهمي (VNS) معتمد للاستخدام في الأطفال الذين تزيد أعمارهم عن 4 سنوات، والذين يعانون من صرع مقاوم للعلاج ولم يستجيبوا للأدوية.
ماذا يحدث عندما تنفد بطارية الجهاز؟
عندما تنفد بطارية الجهاز (مولد النبضات)، يجب استبدالها جراحيًا. في حالة البطاريات غير القابلة لإعادة الشحن، يحدث هذا عادةً كل 3 إلى 5 سنوات. أما البطاريات القابلة لإعادة الشحن، فيمكن أن تدوم لفترة أطول بكثير (قد تصل إلى 10-15 سنة أو أكثر) وتتطلب من المريض إعادة شحنها بانتظام باستخدام شاحن خاص.