هنالك الكثير من الأطفال الذين يعانون بصمت من مشكلات بولية مستمرة: تسلّل البول ليلاً، ألم عند التبوّل، أو مشاكل خلقية غير واضحة.
صحة أطفالنا هي الأولوية القصوى لكل والد، وعندما يتعلق الأمر بالجهاز البولي، فإن خصوصية النمو والتطور تتطلب رعاية طبية متخصصة ومختلفة عن رعاية البالغين.
هنا يأتي دور طب المسالك البولية للأطفال (Pediatric Urology)، وهو تخصص دقيق يركز على تشخيص وعلاج الاضطرابات الخلقية والمكتسبة التي تصيب الجهاز البولي والتناسلي لدى الرضع والأطفال والمراهقين.
طب المسالك البولية للأطفال يختص بتشخيص وعلاج هذه الحالات وهو أكثر من مجرد تخصص جراحي؛ إنه رعاية مشتركة تهدف لحماية المستقبل الصحي والوظيفي للأطفال.
في مراكز متقدمة مثل مستشفى ليفا في تركيا، يتم الجمع بين الخبرة الطبية والتقنيات النادرة لخدمة هذه الفئة الحسّاسة.

أهمية طب المسالك البولية للأطفال
تكمن الأهمية الجوهرية لطب المسالك البولية للأطفال في حقيقة أن الجهاز البولي والتناسلي لدى الأطفال يختلف تشريحيًا ووظيفيًا عن نظيره لدى البالغين.
كذلك فإن الأمراض التي تصيب الأطفال غالبًا ما تكون ذات طبيعة خلقية أو فريدة إلى حد كبير.
إن التعامل مع هذه الحالات يتطلب فهمًا عميقًا لفسيولوجيا الطفل النامية، والقدرة على تطبيق تقنيات جراحية دقيقة تتناسب مع الأحجام الصغيرة للأعضاء، بالإضافة إلى نهج علاجي شامل يراعي الجوانب النفسية والتنموية.
على عكس جراح المسالك البولية العامة، يتلقى أطباء المسالك البولية للأطفال تدريبًا إضافيًا مكثفًا يركز حصريًا على رعاية الأطفال لتشخيص وعلاج الحالات المعقدة التي قد لا تكون مألوفة لدى أطباء المسالك البولية للبالغين.
كما أنهم مجهزون للتعامل مع الأطفال بأسلوب لطيف ومطمئن، مما يقلل من قلقهم وخوفهم من الإجراءات الطبية.
إن الكشف المبكر والتدخل المتخصص في أمراض المسالك البولية لدى الأطفال يمكن أن يمنع المضاعفات الخطيرة، مثل الفشل الكلوي المزمن، ويحسن بشكل كبير من نوعية حياة الطفل على المدى الطويل.
تشوهات الجهاز البولي الخلقية
تُعد التشوهات الخلقية في الجهاز البولي من أكثر المشاكل التي يتعامل معها طب المسالك البولية للأطفال.
غالبًا ما يتم اكتشاف العديد من هذه الحالات قبل الولادة من خلال الموجات فوق الصوتية الروتينية، مما يسمح بالتخطيط المسبق للرعاية بعد الولادة. من أبرز هذه التشوهات:
- موه الكلى (Hydronephrosis): وهي حالة تتضخم فيها الكلى بسبب تراكم البول، وغالبًا ما تكون ناجمة عن انسداد في المسالك البولية أو ارتجاع البول. يمكن أن تكون خفيفة وتتراجع من تلقاء نفسها، أو شديدة وتتطلب تدخلاً جراحيًا لمنع تلف الكلى.
- الارتجاع الحالبي الكلوي (Vesicoureteral Reflux – VUR): تحدث هذه الحالة عندما يتدفق البول إلى الخلف من المثانة إلى الحالبين والكلى، مما يزيد من خطر الإصابة بالتهابات المسالك البولية المتكررة وتلف الكلى. تتراوح شدة الارتجاع من خفيف إلى شديد، وقد يتم علاجه بالمضادات الحيوية الوقائية أو الجراحة في الحالات الأكثر خطورة.
- الإحليل التحتي (Hypospadias): وهو عيب خلقي في الذكور حيث لا تفتح فتحة مجرى البول في طرف القضيب، بل على الجانب السفلي منه. تتراوح شدته من خفيف إلى شديد، ويتطلب عادةً جراحة تصحيحية لإعادة بناء الإحليل والقضيب.
- انسداد مخرج المثانة الخلفي (Posterior Urethral Valves – PUV): حالة خطيرة تصيب الذكور فقط، حيث توجد طيات غير طبيعية من الأنسجة في الإحليل تعيق تدفق البول من المثانة، مما يؤدي إلى تضرر المثانة والكلى. يتطلب تشخيصًا مبكرًا وتدخلًا جراحيًا عاجلاً.
- الكلى المتعددة الكيسات (Multicystic Dysplastic Kidney – MCDK): تحدث عندما تتكون الكلى من أكياس غير وظيفية بدلاً من الأنسجة الكلوية الطبيعية. عادة ما تكون كلية واحدة فقط مصابة، وتتراجع غالبًا مع مرور الوقت، لكن تتطلب مراقبة لوظيفة الكلى الأخرى.
مشاكل التبول وسلس البول
تُعد مشاكل التبول وسلس البول من الشكاوى الشائعة التي يواجهها الآباء، وقد تكون مصدر قلق كبير لهم ولأطفالهم.
لا تقتصر هذه المشاكل على الجانب الجسدي، بل قد تؤثر أيضًا على الجوانب النفسية والاجتماعية للطفل. يتعامل أطباء المسالك البولية للأطفال مع مجموعة واسعة من اضطرابات التبول، بما في ذلك:
- التبول اللاإرادي (Enuresis): وهو التبول اللاإرادي أثناء النوم بعد العمر الذي يُتوقع فيه التحكم الكامل في المثانة (عادةً بعد 5-6 سنوات). قد يكون أوليًا (لم يتحكم الطفل في التبول ليلاً أبدًا) أو ثانويًا (بعد فترة من التحكم). تشمل الأسباب عوامل وراثية، تأخر نضج الجهاز العصبي، فرط نشاط المثانة، أو مشاكل في إنتاج الهرمون المضاد لإدرار البول.
- سلس البول النهاري (Daytime Incontinence): التبول اللاإرادي خلال النهار، والذي قد يكون مرتبطًا بفرط نشاط المثانة، تأخر الإدراك الحسي للمثانة، الإمساك المزمن، أو حتى عوامل نفسية.
- عدوى المسالك البولية المتكررة (Recurrent UTIs): الأطفال الذين يعانون من التهابات المسالك البولية المتكررة قد يشيرون إلى مشكلة كامنة في الجهاز البولي، مثل الارتجاع الحالبي الكلوي، أو الخلل الوظيفي في المثانة. التشخيص الدقيق لهذه الالتهابات وأسبابها الكامنة أمر بالغ الأهمية لمنع تلف الكلى.
- المثانة العصبية (Neurogenic Bladder): وهي حالة تحدث نتيجة لتلف الأعصاب التي تتحكم في وظيفة المثانة (مثل حالات السنسنة المشقوقة)، مما يؤدي إلى عدم قدرة المثانة على التخزين أو التفريغ بشكل صحيح. تتطلب هذه الحالة إدارة معقدة لمنع تلف الكلى.

أمراض الأعضاء التناسلية عند الذكور والإناث
لا يقتصر طب المسالك البولية للأطفال على الجهاز البولي فحسب، بل يشمل أيضًا مجموعة واسعة من الأمراض التي تصيب الأعضاء التناسلية لدى الأطفال من الجنسين، والتي تتطلب رعاية حساسة ومتخصصة:
- الخصية المعلقة (Undescended Testis – Cryptorchidism): وهي حالة تفشل فيها إحدى الخصيتين أو كلتاهما في النزول إلى كيس الصفن قبل الولادة أو بعدها بفترة وجيزة. يُعد التدخل الجراحي (تثبيت الخصية) ضروريًا عادةً لتقليل خطر العقم أو سرطان الخصية في المستقبل.
- القيلة المائية (Hydrocele) والقيلة الإربية (Inguinal Hernia): القيلة المائية هي تجمع للسوائل حول الخصية، بينما القيلة الإربية هي خروج جزء من الأمعاء أو الأنسجة الدهنية عبر نقطة ضعف في جدار البطن إلى منطقة الأربية أو الصفن. كلاهما شائع في الرضع وقد يتطلبان جراحة.
- تضيق الإحليل (Urethral Stricture): يمكن أن يحدث تضيق في مجرى البول، مما يعيق تدفق البول.
- تشوهات الفرج والمهبل: مثل التحام الشفرتين (Labial Adhesions) أو تشوهات الحاجز المهبلي، والتي قد تؤثر على وظيفة التبول أو تسبب التهابات.
- الخصائص الجنسية الغامضة (Disorders of Sex Development – DSD): وهي حالات معقدة يولد فيها الطفل بخصائص جنسية غير واضحة المعالم، وتتطلب تقييمًا دقيقًا من فريق متعدد التخصصات لتحديد الجنس وتخطيط الرعاية.
- أورام الكلى والمسالك البولية: على الرغم من ندرتها، يمكن أن تصيب الأورام الخبيثة الجهاز البولي والتناسلي لدى الأطفال، مثل ورم ويلمز (Wilms’ Tumor) في الكلى. يتطلب تشخيصها وعلاجها فريقًا متخصصًا يضم جراحي أورام الأطفال.
أساليب التشخيص والعلاج الحديثة
تطورت أساليب التشخيص والعلاج في طب المسالك البولية للأطفال بشكل كبير، مما يوفر دقة وسلامة أكبر للمرضى الصغار. من أبرز هذه الأساليب:
- التشخيص بالموجات فوق الصوتية قبل الولادة (Prenatal Ultrasound): أصبحت الموجات فوق الصوتية الروتينية أثناء الحمل أداة لا تقدر بثمن للكشف المبكر عن التشوهات البولية الخلقية، مما يسمح بالتخطيط المسبق للرعاية بعد الولادة والتدخل المبكر إذا لزم الأمر.
- الفحوصات التصويرية المتقدمة: بالإضافة إلى الموجات فوق الصوتية، تُستخدم الأشعة المقطعية (CT) والرنين المغناطيسي (MRI) لتقديم صور تفصيلية للأعضاء البولية، وتقييم الأورام أو التشوهات المعقدة.
- دراسات ديناميكية البول (Urodynamic Studies): تساعد هذه الاختبارات في تقييم وظيفة المثانة وضغطها، وتحديد سبب سلس البول أو مشاكل التبول.
- الجراحة طفيفة التوغل (Minimally Invasive Surgery): تُعد الجراحة بالمنظار (Laparoscopic Surgery) والجراحة الروبوتية (Robotic Surgery) ثورة في جراحة المسالك البولية للأطفال. تسمح هذه التقنيات بإجراء عمليات معقدة من خلال شقوق صغيرة جدًا، مما يقلل من الألم بعد الجراحة، ويقصر فترة التعافي، ويقلل من حجم الندوب. على سبيل المثال، في مستشفى ليفا في تركيا، يتم توظيف أحدث التقنيات الروبوتية لإجراء العمليات المعقدة بدقة متناهية، مما يعزز سلامة الأطفال ويحسن من نتائجهم.
- العلاج غير الجراحي: في العديد من الحالات، خاصة مع سلس البول والتهابات المسالك البولية المتكررة، يمكن أن يكون العلاج غير الجراحي فعالًا، ويشمل العلاج السلوكي، تغييرات نمط الحياة، والأدوية.
- التدخلات التنظيرية (Endoscopic Interventions): تستخدم المناظير الدقيقة لعلاج بعض الانسدادات أو الارتجاعات، أو لإزالة الحصوات البولية.

التحديات والرعاية المتكاملة
إن التعامل مع أمراض المسالك البولية لدى الأطفال لا يخلو من التحديات، سواء بالنسبة للأطباء أو للعائلات. تتمثل التحديات الرئيسية في:
- التشخيص المبكر والدقيق: قد لا يتمكن الأطفال الصغار من التعبير عن أعراضهم بوضوح، مما يتطلب يقظة الوالدين والأطباء.
- حجم الأعضاء الدقيق: يتطلب إجراء الجراحة على أعضاء صغيرة ودقيقة مهارة جراحية فائقة وأدوات متخصصة.
- الجوانب النفسية: قد تؤثر بعض المشاكل البولية على ثقة الطفل بنفسه ونموه الاجتماعي، مما يتطلب دعمًا نفسيًا.
- الرعاية طويلة الأمد: بعض الحالات، خاصة الخلقية، تتطلب متابعة مستمرة على مدى سنوات لضمان النمو والتطور الصحيح.
كلمة أخيرة
في الختام، يُعد طب المسالك البولية للأطفال تخصصًا حيويًا ومعقدًا، وهو يلعب دورًا لا غنى عنه في الحفاظ على صحة الجهاز البولي والتناسلي لأطفالنا.
من الكشف المبكر عن التشوهات الخلقية، إلى التعامل مع مشاكل التبول وسلس البول، وصولًا إلى علاج الأورام والأمراض التناسلية، يساهم أطباء المسالك البولية للأطفال، بالتعاون مع فرق الرعاية المتكاملة، في بناء مستقبل صحي لأجيالنا الصاعدة.
إن التطورات المستمرة في تقنيات التشخيص والجراحة، واعتماد المستشفيات الرائدة مثل مستشفى ليفا في تركيا لأحدث البروتوكولات والتقنيات (بما في ذلك الجراحة الروبوتية)، تمنح الآباء الأمل في تقديم أفضل رعاية ممكنة لأطفالهم.
أسئلة شائعة
متى يجب أن آخذ طفلي لزيارة طبيب المسالك البولية للأطفال؟
يجب استشارة طبيب المسالك البولية للأطفال إذا كان طفلك يعاني من تبول لاإرادي بعد سن الخامسة، التهابات متكررة في المسالك البولية، دم في البول، ألم عند التبول، تورم في منطقة الأعضاء التناسلية، أو إذا تم اكتشاف تشوه خلقي في الجهاز البولي قبل الولادة أو بعدها.
هل يمكن علاج الخصية المعلقة بدون جراحة؟
في معظم الحالات، الخصية المعلقة تتطلب تدخلًا جراحيًا (تثبيت الخصية) إذا لم تنزل من تلقاء نفسها بحلول عمر 6 أشهر إلى سنة. العلاج الهرموني أقل فعالية ونادرًا ما يُستخدم كعلاج وحيد.
هل التبول اللاإرادي ليلاً مشكلة خطيرة دائمًا؟
ليس دائمًا. التبول اللاإرادي الليلي شائع لدى الأطفال الصغار ويعتبر جزءًا طبيعيًا من النمو. ومع ذلك، إذا استمر بعد سن 5-6 سنوات، أو إذا بدأ فجأة بعد فترة من التحكم، يجب استشارة طبيب المسالك البولية للأطفال لتقييم السبب واستبعاد أي مشكلة كامنة.
ما هي نسبة نجاح عمليات المسالك البولية للأطفال؟
تعتمد نسبة النجاح بشكل كبير على نوع وشدة الحالة. بشكل عام، ومع التقنيات الحديثة والخبرة المتخصصة، فإن معدلات النجاح عالية جدًا في معظم الإجراءات التصحيحية، مما يحسن بشكل كبير من جودة حياة الطفل.
هل يمكن اكتشاف مشاكل المسالك البولية قبل ولادة الطفل؟
نعم، يمكن اكتشاف العديد من التشوهات الخلقية في الجهاز البولي، مثل موه الكلى الشديد أو انسداد المسالك البولية، من خلال فحوصات الموجات فوق الصوتية الروتينية أثناء الحمل.
هل يجب أن يخضع الأطفال المصابون بالتهابات المسالك البولية المتكررة لفحوصات إضافية؟
نعم، غالبًا ما يُوصى بإجراء فحوصات إضافية مثل الموجات فوق الصوتية للكلى والمثانة، أو التصوير الوعائي للمثانة والإحليل (VCUG) لتحديد السبب الكامن وراء الالتهابات المتكررة، مثل الارتجاع الحالبي الكلوي.